07 تموز 2015
حكومة النسور ... وفقدان البوصلة !!
- بقلم : السيد ماهر الحوراني*بعد تشكيل حكومة دولة الدكتور عبدالله النسور قبيل نهاية عام 2012 استبشر الكثيرون خيرا في تحسين عجلة الاقتصاد والحياة المعيشية ومكافحة الفساد .. الخ .لكن بعد ثلاث سنوات من الاجتماعات والمشاورات والقرارات المتعاقبة والمتضاربة.. لم يتحسن الاقتصاد وازداد العجز وتضاعفت المديونية وتكاثر الفساد وارتفعت الأسعار وزادت نسبة البطالة ونسبة الجريمة وازداد المواطن فقرا وسخطا وغاب صوت العدالة الاجتماعية... والحبل على الجرار !!ونحن هنا لا ننتقد مسيرة شخصية لرجل (نحترم ونجل ) بل نشير إلى مواطن خلل في فريق عمل الحكومة التي كان يراد لها أن تكون استثنائية في هيكيلتها وأهدافها وخططها وفي اقتراح الحلول المناسبة للازمات بعيدا عن القرارات الارتجالية والمتضاربة في شتى المجالات ودون حساب دقيق للنتائج . فسياسات الحكومة تصلح لتطبق في دولة نفطية مليئة بالثروات ولديها فائض في الميزان التجاري..!! وليس في بلد يعاني من عجز ميزان تجاري ومشاكل لا حد لها في شتى القطاعات .إننا نعيش في حالة توهان في ظل وجود مسؤولين غير قادرين على وضع خطط مدروسة نابعة من واقع البلد المعاش .. وبالتالي إيجاد الحلول ولو للمشاكل البسيطة .. بل على العكس قام هؤلاء بزيادة التعقيدات والروتين وإحباط الناس والقوى المنتجة والمستثمرين عبر اتخاذهم قرارات تنم عن عدم التحلي بالمسؤولية وعدم القدرة على فهم مشاكل الناس .. وكأنهم يعيشون في المريخ والناس يعيشون على الأرض!!إن أي متتبع للقرارات في قطاع ما ، سيجد التضارب والتعنت فيها لأنها لم تنبع من توجه واضح وفق البوصلة التي تؤشر باتجاه مصلحة الوطن والمواطن ... بل إن أدوات الدولة تظهر مرتبكة أمام معظم القضايا ونخص هنا القضايا المحلية والتي نذكر منها بعض القطاعات كقطاع التربية والتعليم وقطاع التعليم العالي وقطاعات الصناعة والسياحة وقطاع المصارف والبنوك وقطاع الخدمات .إنه في ظل غياب الاعتماد على الذات وعدم القيام بتطوير القدرات البشرية وتأهيلها إلى جانب اعتماد الاستهلاك دون أن يكون هناك أي إنتاج ... وتهميش قطاعات هامة يعتمد عليها اقتصاد البلاد ومحاربتها عبر قرارات غير بريئة ... كل ذلك يسهم بشكل كبير في تدمير الاقتصاد والتعدي على لقمة عيش المواطن برفع الأسعار وتفشي البطالة... الخ. إن الحكومة بلا ادني شك تسير (عكس السير ).. إنها تسير نحو الهاوية وإفلاس البلاد في ظل فقدان البوصلة من قبل المعنيين القائمين على اتخاذ القرارات دون تمتعهم بقراءة دقيقة للواقع – وكأنه تنقصهم الحنكة والمهنية والمسؤولية – وبالتالي سيدفع الشعب والاقتصاد والاستثمار والمستثمرين ضريبة أخطاء هؤلاء الأشخاص الذين يرتجلون القرارات دون توخي العواقب !!لا ندري من أي قطاع - مما ذكرنا- نبدأ .. لنبدأ من قطاع التعليم العالي وقرار رفع معدلات القبول.. وهو القرار الذي يأتي ليخدم فقط الجامعات خارج الأردن إلى جانب فقدان الأردن أعدادا كبيرة من الطلبة المغتربين وأبناء الدول الشقيقة والصديقة الذين كانوا يعتبرون الأردن المحطة الأولى التي يقصدونها لاستكمال دراستهم الجامعية ... كما أننا نفقد أبنائنا من داخل الأردن الذين سيذهبون للدراسة في الخارج .. وما يفقده البلد من عملة صعبة جراء ذلك إلى جانب معاناة أبنائنا مرارة الغربة وما يمكن أن يتعرضوا له في تلك البلدان في الخارج ( ولنا أمثلة لا زالت قائمة لما تعرض له طلبتنا في عدد من الدول في ظل الأحداث التي تشهدها المنطقة والعالم .. وعودتهم للدراسة - أو استكمال دراستهم- في بلادهم ) .فلمصلحة من هذا القرار غير المدروس..مع عدم إغفال ما سوف يترتب عليه من خسائر على الجامعات الخاصة وحتى الحكومية.. بحجة ( المستوى الأكاديمي )؟!فالدراسة في الجامعة حق مكتسب للقادر على الدراسة ولا يجوز منع هذا الحق بحجة الحفاظ على المستوى الأكاديمي .. لأن مثل هذا الكلام عار عن الصحة ولا يمت للواقع بصلة.. حيث أن جامعاتنا لها القدرة على ضبط المستوى الأكاديمي لطلبتها ..و تقوم بهذا الأمر بنفسها عبر امتحانات تجريها لطلبتها.كما انه من الطبيعي إن تكون هناك جامعات بمستويات مختلفة ويترك للطالب الاختيار وفق إمكاناته المادية ورغباته الدراسية ..فهذا سوق عرض وطلب .ثم أين المنطق والعدالة بأن يدرس الطالب الذي معدله في الخمسينات خارج الأردن وتعادل شهادته حين عودته.. فهل الجامعات في الخارج لها قدرة سحرية على ضبط المستوى الأكاديمي؟!(إن هذا الأمر مخالف للدستور لأنه عندما أعطيت الجامعات الخاصة تراخيص كان ذلك بناء على قوانين وتشريعات معينة لا يجوز كل يوم التلاعب بها ).أما عن حجة التعليم التقني ... فقد كتب عنها الكثير والحل ليس برفع معدلات القبول في الجامعات في كل مرة تحت هذه الحجة ..ومحاولة تخريب ما هو قائم وناجح من أجل أفكار لا توجد لها مقومات حقيقية لغاية الآن .. فأين هي الهيئة المستقلة للتعليم التقني؟! وأين هي الكليات والجامعات التقنية الموجودة لاستيعاب هؤلاء الطلبة ؟ وأين هي المصانع والمشاغل ومراكز ومعاهد التدريب الخاصة بذلك ؟ وأين هي المحفزات لهؤلاء الطلبة لإقناعهم بالإقبال والالتحاق بمثل هذا النوع من التعليم ؟ وأين هي الوظائف المضمونة لهم أو المرصودة لهم مستقبلا ؟ أسئلة كثيرة في هذا المجال لا يحلها مجرد اتفاقية مع إحدى الدول لإنشاء جامعة تقنية تحمل اسما مشتركا !! كما إن بعض الجامعات تقدم تخصصات تطبيقية وتقنية ولا زالت ونجحت في استيعاب إعداد من الطلبة الراغبين في الدراسة لمثل هذه التخصصات وبغض النظر عن رفع أو تخفيض المعدلات . للأسف نحن لا نعيش الواقع ونحلم بالأوهام التي يصعب تحقيقها بين ليلة وضحاها لأننا ننسى واقعنا ونعتقد أن بلادنا هي كأمريكا أو أوروبا!!نحن مع تطوير التعليم العالي في بلادنا وان يكون بمستوى يحاكي أفضل الجامعات في العالم .. ولكن ليس بالقرارات الارتجالية والآنية والمصلحية .. بل بالقرارات المدروسة المنطلقة من واقعنا والمبنية على أسس علمية سليمة . نقطة أخرى هامة لا بد من التأكيد عليها وهي أن عدم استقرار التشريعات والقوانين بسبب اتخاذ القرارات التي تنبع من مزاجية وأجندة كل وزير جديد .. تعتبر كارثة تدفع ثمنها جامعاتنا خاصة أو حكومية.ولنا خير مثال فيما يشهده قطاع التعليم العالي حاليا من قرارات متسرعة كرفع معدلات القبول و تشكيل لجان تقييم الأداء لرؤساء الجامعات واختزال استقلالية الجامعات وتهميش لمجالس أمناء الجامعات ولأدوارها........الخ.لقد أصبح الكثير من المستثمرين في قطاع التعليم العالي يفكرون فعليا في نقل استثماراتهم إلى دول أخرى بسبب عدم الثبات في القرارات والتشريعات المستمر! أما على صعيد التربية والتعليم فإن واقع الحال اليوم للسياسات والخطط التربوية المراد تطبيقها في المستقبل يشير إلى إنها خطط بالية ومتخلفة وتعمل على العودة للوراء لزمن المترك للتاسع والسادس الابتدائي وتعيد التأكيد على بعبع التوجيهي الذي ما زال جاثما على قلوب المواطنين رغم إن التوجهات السابقة كانت تدرس إلغاء امتحان التوجيهي كمعيار أوحد للقبول الجامعي .إن ضعف مستوى التعليم في مدارسنا وخاصة الحكومية ووجود فجوة كبيرة بين المدارس الخاصة والمدارس الحكومية في المستوى سببه سوء التخطيط على جميع المستويات سواء ما يتعلق بالمعلم وطرق تأهيله ورفع مستواه المادي والعلمي او ما يتعلق بمستوى المناهج التي تدرس أو البيئة المدرسية القائمة ...الخ.العالم الآن يسير باتجاه إلغاء امتحان التوجيهي واعتماد البرامج الدولية مثل برامج ( آي.بي – آي .جي.اس.. وغيرها ) حيث نجحت هذه البرامج في بناء شخصية الطالب ورفع مستواه العلمي.. ونحن نريد أن نرجع للوراء . كان من الأولى على وزارة التربية والتعليم أن تسير باتجاه البرامج الدولية وأن تحذو المدارس الحكومية حذو المدارس الخاصة وتضع خطة مدروسة لعشر سنوات لتطبيق ذلك .وعلى المستوى الصناعي هناك تخبط قائم حاليا والدليل أن المشاكل مع الصناعيين ظاهرة للعيان من خلال الإضرابات التي يقومون بها وبالتالي رحيل أعداد منهم إلى دول الجوار كدولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها .أما على مستوى السياحة فهناك ضعف في معالجة المشاكل التي يواجهها هذا القطاع ومنها إغلاق معظم فنادق الجنوب لعدم اتخاذ قرارات لمساعدتها خاصة في مثل هذه الظروف الصعبة التي يعكسها الوضع السياسي المحيط بنا . فهناك حاجة ماسة لمساعدة هذا القطاع والوقوف الى جانبه .. كتخفيض ضريبة المبيعات إلى 8% وتخفيض تعرفة الكهرباء -التي تجاوب معها الوزير الحالي مشكورا - ..كما يجب مساعدة هذا القطاع الهام على مستوى التسويق الداخلي والخارجي عن طريق جمعية الفنادق وهيئة تنشيط السياحة والتي يقتصر عملها على الجباية وأخذ الرسوم من الفنادق دون ان يكون لها اي دور ايجابي .كذلك قطاع المصارف والبنوك لم يسلم هو الآخر من القرارات الاعتباطية وفرض قيود جديدة عليه وتقييد حركته .إن ما ذكرناه غيض من فيض !! وهي بالتأكيد ليست أخطاء هذه الحكومة وحدها .. إنما بعضها أو أكثر هي أخطاء متراكمة من حكومات سابقة أيضا .أما هذه الحكومة فقد أبدعت في تدمير اقتصاد البلاد ..واتخاذ قرارات في شتى القطاعات لم تكن بالتأكيد لمصلحة المواطن ولا لمصلحة الاستثمار والمستثمرين .فإلى أين نسير ؟! لقد فقدت حكومتنا البوصلة منذ زمن ولا بد من التصويب بالاتجاه الصحيح الذي يخدم مصلحة الوطن والشعب وينقذ البلاد من الوضع الاقتصادي المتردي ويعزز المكاسب والانجازات .إنني أناشد جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم حفظه الله ورعاه بأن يتم تشكيل لجنة ملكية تضم في عضويتها مستثمرين ورجال أعمال وممثلين عن مختلف القطاعات ممن لهم باع كل في قطاعه لدراسة وتحليل وتقييم الأوضاع وإيجاد حلول ناجعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والنهوض باقتصاد البلاد للأفضل بإذن الله .*رئيس هيئة المديرين لجامعة عمان الأهلية
روابط مشتركة: